نقد الاقتصاد السياسي

نقد الاقتصاد السياسي

لعله أخطر العلوم الحديثة. أو على الأقل أكثرها تأثيرًا في حياة النَّاس، وهو الَّذي يبحث في كيفية إدارة "ثروة" جماعة ما، وهذه الإدارة هي في النهاية محور كل الصراعات الَّتي تخترق العالم الَّذي نسكنه. رغم ذلك، فالاقتصاد السياسي علم مركون إلى المتخصّصين وحدهم أو يكاد، يشوبه الكثير من الغموض. يخالطه الالتباس بحقول معرفية أخرى، وقلما تجرّأ، حتّى الباحثون ضمنه، على فحص جذوره ومخرجاته، ناهيك عن فروعه المتشعّبة. هذا الكتاب يخوض المغامرة رأسًا. مغامرة الفحص من الألف إلى الياء. من "الأساسيات" إلى "نهاية الاقتصاد السياسي" بحسب عبارات مؤلّفه. إنها مغامرة محمد عادل زكي في شعاب الاقتصاد السياسي، وهي متاهة لا شك. متاهةٌ دخلها نيابة عن ثقافة برمّتها. وهو حين يفعل ذلك يُثير سؤالًا خطيرًا: هل يمكن لثقافة أن تَغفل عن فحص حقل الاقتصاد السياسي وتقليب ترابه؟ وهل يمكن أن نكون في عصرنا وفي عالمنا دون خوض هذه المغامرة؟ إلى حدٍ كبير، ذلك هو حال الثقافة العربية مع معارف كثيرة، ليس مع الاقتصاد السياسي وحده. معارف تصلنا كما تصلنا الأجهزة المنزليّة والأحذية والملابس ومواد الزينة! في كل مرّة يمكن أن نأخذ أو نترك ما نحتاج. غير أن الأمر ليس كذلك مع علم الاقتصاد السياسي، سواء أخذته أو تركته فأنت بين يديه، وبالتالي إن أغمضت عينك عنه فقد اكتفيت بـ "الخضوع" إلى قوانينه دون هامش للمناورة. أمَّا إذا اجتهدت في النظر إليه بندية - ندية الفكر ليس أكثر - فقد أسقطت نصف الشروط المجحفة ضدّك، والَّتي تتخلّل الاقتصاد السياسي وتتقمَّصه. فرصة الندية هذه متوفرة في عمل صاحب "الاقتصاد السياسي للتخلَّف". هذا الكتاب إذًا هو أيضًا مغامرة القارئ في الخروج من أحد الكهوف الأفلاطونية كي يرى الضوء الطبيعي وليس انعكاسات الأشياء في شاشة. هناك ألم سيصاحب هذه المغامرة، ولكنه ألم ضروري كي لا تكون المعرفة مجرّد استهلاك لا يؤدّي إلى أي مكان. سيقول لك محمد عادل زكي طيّ هذا الكتاب أن الاقتصاد السياسي"علم أوروبي خالص" وإن ادعى الأوروبيون أنه علم كونيّ، ومن هنا سيشير إلى "تاريخ مسكوت عنه" ينبغي لنا أن نكون أوّل مَن يبحث فيه، نحن عرب هذا الزمن، لأننا من بين ضحايا المعادلات الدوليّة الَّتي تشكّلت ببطئ وبعنف، فنحن ضمن مَن يقف في "أطراف" عالم تعتدي علينا مركزيته الأوروبية كل يوم منذ قرون. يرسم محمد عادل زكي خريطة الاقتصاد السياسي كمساحة من الموضوعات تتحرّك ضمنها مفاهيم ورهانات وقضايا ومصالح تفضي معادلاتها إلى تركيب الواقع الَّذي نعيشه. يفعل ذلك وهو يعود إلى بناء التَّاريخ الَّذي أفضى لتبلور الاقتصاد السياسي، ليكون عمله في أحد وجوهه عملًا ضمن تاريخ المعرفة، وهو يسدّ ثغرة بارزة في العربية؛ حين يكتب هذا التَّاريخ يحيطه المؤلّف بانتباه نقديّ وهو يعرّج على أهم نظريات المجال المعرفي الَّذي يدرسه، وكم نحتاج إلى هذا الانتباه النقدي في كل ما نتلقاه من الغرب. سيعرّفنا محمد عادل زكي في هذا العمل بالأزمات العلمية والأخلاقية للاقتصاد السياسي، وهذا أمر ضروري كي نسقط عنه وثنيّته التي ابتلينا بها ونحن في "الموقع الأدنى" ضمن علاقة "الغالب والمغلوب" حضاريًّا. يحذّرنا المؤلّف من مقولات مثل "موت الاقتصاد السياسي"، ويفكّك أطروحة تعويض علم الاقتصاد السياسي بـ"علم الاقتصاد" (إدارة المنزل وليس المجال العام إذا عدنا إلى التكوين المعجمي للكلمة في أصلها اليوناني القديم) وإعطاء كل الصلاحيات لـ "العلم" الجديد لتحديد مصير المجتمعات. يعلّمنا الكتاب أيضًا كم أن الاقتصاد السياسي علم منتج لحياتنا، مُلامس لها ومخترق لمختلف وجوهها. كيف والأمر كذلك نسمح لأنفسنا بعدم الإمساك بمفرداته. كيف نسمح لأنفسنا بالتغافل عن الأخطار الَّتي تدور حولنا وتتكثّف على صفحة هذا الخطاب المعرفي. حظي هذا الكتاب بسبع طبعات إلى اليوم. ولا يزال يحتفظ بألقه الأوّل. الأمر مفهوم كونه يقدّم "قيمة مضافة" لا يمكن إنكارها. ولكن أسبابًا أخرى كثيرة يمكن تلمّسها، ربما لأننا لم ننصت جيدًا إلى مقولته ولم نأخذ علم الاقتصاد السياسي على محمل الجد كما ينبغي، أو أننا لم نتذوّق بعد النبرة الملحمية للكتاب ومستوى نظره الحضاري الشامل. وربما لم نصدّق بعد أن العربية تتحدّث في شأن الاقتصاد السياسي بل وتنقده وتضرب في جذوره بفأسها. ربما لم نصدّق أيضًا أنه من الممكن أن نسدّ الفجوة المعرفيَّة مع الغرب في حقل خطير مثل الاقتصاد السياسي. لنتخيّل عالمنا بناء على فرضية ردم هذه الفجوة المعرفية. وهذا الكتاب خطوة جسورة في هذا الاتجاه.

  • التغطية
  • صفحة عنوان الكتاب
  • صفحة حقوق التأليف والنشر
  • سرهفلا
  • ةــــــمّدقــمــلا
  • ينم ّزلا ميوقّتلا فيرعت
  • نم ّزلا سايق تادحو
  • يسم ّشلا ميوقّتلا
  • يرمقلا ميوقّتلا
  • ينامو ّرلا ميوقّتلا
  • ينايلويلا ميوقّتلا
  • يدلايملا ميوقّتلا
  • يروغيرغلا ميوقّتلا
  • يرجهلا ميوقّتلا
  • يسم ّشلا يرجهلا ميوقّتلا
  • يمو ّرلا ينامثُعلا ميوقّتلا
  • يللاجلا ،يسرافلا ميوقّتلا
  • يماملإا ميوقّتلا
  • يئاهبلا ميوقّتلا
  • يطبقلاو ينوعرفلا ميوقّتلا
  • يغيزاملأا ميوقّتلا
  • نيدفا ّرلا دلاب يف ميوقّتلا ِ
  • يربِعلا ميوقّتلا
  • ينانويلا ميوقّتلا
  • يني ّصلا ميوقّتلا
  • يتبيّتلا ميوقّتلا
  • يدنهلا ميوقّتلا
  • اياملا ميوقت
  • يفاّذقلا رّمعم ميوقت
  • يسنرفلا يروهمجلا ميوقّتلا
  • يتايفو ّسلا يروّثلا ميوقّتلا
  • يبويثلإا ميوقّتلا
  • يناتسنامكرـّتلا ميوقّتلا
  • ميواقّتلا ضعب يف روهـ ّشلا ءامسأ لوادج
  • باتكلا عجارم