يقول العجيلي، الحاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم العسكرية، إن الميليشيات الطائفية العابرة للحدود والتابعة للنظام الإيراني، باتت تشكل تهديدا جديا وخطرا على الأمن القومي العربي وورقة ضغط سياسي قوية بيد النظام الإيراني في المرحلة الراهنة.
وبات النظام الإيراني يمتلك حق المناورة بهذه الأذرع للقتال خارج الأوطان بحسب أجندته، ويستخدمها لتهديد الدول والمجتمعات وقمع ثورات الشعوب ودعم الأنظمة والحكومات والجماعات الموالية من دون إعلان الحرب بنحو مباشر والحفاظ على قواته المسلحة النظامية من حروب الاستنزاف الخارجية.
ويظهر تقرير لمنظمة العفو الدولية لشهر يونيو الماضي كيف نفذت الميليشيات الشيعية بانتظام عمليات إعدام خارج نطاق القضاء. وتذكر المنظمة أن العشرات من السجناء السنّة تم قتلهم داخل المباني الحكومية.
ويشير مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إلى أن إيران لعبت دورا رئيسيا في تشكيل ودعم الجماعات المتطوعة العراقية العاملة في سوريا.
ويقترح العجيلي التوقف عند الخلفية التاريخية للاستخدام الأول للميليشيات العابرة للأوطان والحدود في العصر الحديث، ليسهل التطرق بعد ذلك إلى المحطة الأولى، وهي مرحلة تأسيس تنظيم القاعدة والجماعات السلفية الجهادية، التي استقطبت المتطوعين الإسلاميين من دول وجنسيات شتى بمن فيهم المقاتلون العرب، الذين تمت تسميتهم لاحقا بـ”الأفغان العرب”، للقتال تحت يافطة الجهاد ضد “الكفار الروس” في حرب أفغانستان خلال فترة الاحتلال العسكري السوفيتي (1979 – 1989).
واكتسب أولئك المتطوعون خبرات قتال مهمة واستوعبوا أساليب حرب العصابات، ليشكلوا تلك المشاركة الفاعلة بالأساس عبر استخدام الميليشيات العابرة للحدود في العصر الحديث.
ويشير العجيلي إلى أن الأدبيات السياسية والدراسات الأمنية تتفق على أن الميليشيات جماعات مسلحة تنفذ أجندة معينة قد تكون سياسية أو عرقية عنصرية أو دينية مذهبية ذات بعد طائفي. وليس من المبالغة القول إن مصطلح الميليشيات أصبح شائعا في المرحلة الراهنة، والأكثر تداولا في العالم والمنطقة العربية بنحو خاص بسبب الظروف السائدة والصراعات التي تشهدها.
وبات هذا الخطر يستوجب الوقوف الجاد لتحديد تهديدات هذه الميليشيات ومخاطرها ووضع السبل الكفيلة لمواجهتها، بوصفها تمثل تهديدا جديا للدول والمجتمعات المستقرة وللأمن والسلم الأهلي والدولي.
ومصطلح الميليشيات سياسي عسكري يُطلق على المجاميع المسلحة ذات الهيكلية التنظيمية المحددة، والتي تتلقى تدريبا عقائديا وعسكريا وتعبويا موجها لتحقيق مصالح حزبية معينة، وعادة ما تتشكل كأذرع عسكرية لفئات وأحزاب وجماعات سياسية أو دينية أو عرقية تخوض صراعا له أهداف ودوافع.
وبيّن العجيلي أن مفهوم هذا المصطلح واسع بحيث يغطي المقاومة الشعبية والفصائل المسلحة لحركات التحرر الوطني التي تقاوم الغزو والاحتلال الأجنبي، والقوات الشعبية غير النظامية التي تشكلها الدول في أوقات الأزمات والحروب للنهوض بمهمات دفاعية لدعم الجبهة الداخلية وحماية الأهداف الحيوية والاستراتيجية، وللتعويض عن القوات المسلحة النظامية التي تتفرغ للقتال في مسارح العمليات.
ومعلوم أن الميليشيات قديمة تاريخيا، وبالذات في المراحل التي سبقت تشكيل الجيوش النظامية. إذ ظهرت الجماعات والميليشيات المسلحة في عصر ما قبل ظهور الدولة المركزية، وكانت تعنى بالدفاع عن القبيلة والتجمعات الديموغرافية المتجانسة في إطار جغرافي معيّن، وهي لا تقع ضمن القانون العام لأي بلد في العالم، سواء تكونت على أيدي قوة سياسية أو اجتماعية أو دينية، أو تنبثق عن أنظمة رسمية حزبية، ونشاطاتها لا تقع في إطار القواعد النظامية أو ضمن مؤسسات الدولة الرسمية، وقد تعترف بها الحكومات للاستفادة من نشاطها الميليشياوي لصالح النظام والسلطة وليس العكس، كما هو حال الميليشيات الطائفية في العراق وسوريا واليمن.
يقول العجيلي في كتابه إن “الميليشيات تنمو ويتوسع نطاق عملها في ظل الأوضاع غير المستقرة أو في بيئة ملائمة، لا سيما عندما تكون الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية ضعيفة وغير قادرة على بسط سيطرتها على البلاد”.
وأشار إلى أن هناك أحزابا سياسية أو دينية وطوائف تتصارع في ما بينها وتسعى إلى فرض هيمنتها على السلطة ومؤسساتها، كما هو الحال أيضا في العراق ولبنان وسوريا واليمن. ويضيف أن الميليشيات المسلحة تتصرف فوق القانون والسلطة وتوصف ممارساتها بالعدوانية ضد الخصوم وتستخدم القوة والعنف لفرض الإرادة السياسية على الآخرين، وتنتهك ممارساتها القوانين وحقوق الإنسان، وترتقي أفعالها إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي.
ويقارن العجيلي ممارسات الميليشيات مع تنظيمات الجيوش التقليدية وأساليب عملها وتقاليدها التي يقرها دستور البلاد. ويقول إن الميليشيات في الواقع، هي تشكيلات وجماعات ذات طابع مؤقت تؤسس لغاية محدودة، وهي قوات مُسلحة غير نظامية تختلف عن القوات النظامية من حيث الانضباط والالتزام بالقوانين العسكرية وفي نوعية التسليح والتجهيز ومنظومة القيادة والسيطرة والتدريب والاستخبارات والإسناد اللوجستي وأساليب القتال التي أساسها حرب العصابات والجماعات الصغيرة.
وينبه إلى أن الميليشيات العابرة للحدود أصبحت في الوقت الراهن، أحد اللاعبين الرئيسيين وأطراف الحرب بالوكالة أو النيابة، والتي تنشأ عندما تستخدم القوى المتحاربة أطرافا أخرى للقتال بدلا عنها بنحو مباشر، على الرغم من أن القوى الكبرى استخدمت في السابق حكومات أخرى كوكلاء عنها في حروبها وبحسب أهدافها التي تتوخاها، إلا أنّه يتم استخدام أطراف مسلحة غير نظامية كالميليشيات والجماعات المسلحة بنحو واسع، إذ تأمل القوى الكبرى والدول الأخرى في ضرب الخصوم بالنيابة من دون الانجرار إلى حرب شاملة، مشيرا إلى أن هذا ينطبق على ما يجري من صراع مسلح على الأراضي السورية.
ويعدُّ النظام الإيراني، الذي تأسس في أعقاب سيطرته على الحكم بعد ثورة الشعب على نظام الشاه عام 1979، المحرك الأساسي للميليشيات الطائفية التابعة له والعابرة للحدود، كأداة لتنفيذ استراتيجية تصدير الثورة إلى الخارج والتي هي، في حقيقتها، تصدير للإرهاب والفوضى وخلق الفتن لتحقيق أهداف سياسية عبر استغلالها للمذهبية والشحن الطائفي، يقع في مقدمتها التمدد الإيراني والحلم القومي الفارسي بفرض الهيمنة على المنطقة العربية والإسلامية، تحت غطاء الدين والمذهب، وخداع الشعوب وتضليلها باسم المقاومة والممانعة والحرص على القضية الفلسطينية.