«إنّ العمل الذي نقدّمه محاولة منهجيّة بالأساس، لئن رمت إلى الوقوف على ما قد يجمع في الكتابات التاريخيّة الإسلاميّة القديمة من جهة كيفيّات الكتابة وطرقها وبعض وظائفها، فإنّه لا يغيب عنّا أنّ القدامى لم يصوغوا شكلا واحدا من الكتابة التاريخيّة، إذ هي كتابة متعدّدة أيضا، وقد لا تفهم إلاّ في تعدّدها ذاك، من خلال تعدّد في المنهج أيضا لا يحصر نفسه في اتّجاه واحد أو مدرسة بعينها. إنّ ما نسعى إليه من خلال هذه المحاولة المنهجيّة هو استقراء نماذج من أخبار تداولها المسلمون قرونا فترسّخت وارتفعت إلى مرتبة الحقائق الثابتة، فكان سؤالنا حول الكيفيّة التي صيغت بها «قصص» التاريخ وأخباره لعلّنا نظفر بإجابة عن طبيعة الكتابة التاريخيّة الإسلاميّة والسبل التي سلكتها لتفعل في الهيئة الاجتماعيّة وتصوغ الذاكرة وتكرّس المعتقد وتوجّه النّاس اعتقادا وسياسة وفكرًا ورؤى للعالم.[…]. لقد غدا الخروج من المقاربات التراثيّة حتميّا لدخول مرحلة جديدة هي المقاربات التاريخيّة وفق المعرفة التاريخيّة الحديثة أمرا مصيريّا. وربّما يكون هذا الرهان من أوكد ما يجب وضعه هدفا لقطع الطريق أمام دعاة العنف بتوظيف التاريخ الإسلامي سواء كان دينيّا أو غيره، لا بتغيير منطقة المعركة، أي التاريخ، بل بتغيير أسلوبها عبر قراءات جديدة، وتأويليّة أخرى تستأنف ما كان مشاريع لم تتواصل وسمحت للجماعات الهوويّة بافتكاك التاريخ وأفكاره».