ينطلق مؤلف هذا الكتاب من فرضيّة أنّ القراءة نشاط متجدد ومنتج للمعاني باستمرار . وهذه الفرضية تقوده إلى اعتبار القراءة فهماً للنصّ مرتبطا بصاحبه وزمانه ومكانه، أي أنّ قراءة نصٍّ ما ، القرآن أو غيره من النصوص ، في لحظة تاريخيّة محددة لدى قارئ معيّن تكون استجابة لملابسات تلك اللحظة . فقراءة ما للنص لا تستجيب لكلّ الأزمنة مهما كانت صفاتها. والتفسير قراءة ، فتفسيرٌ ما للنص –مهما كانت صفاته- لا يكون صالحا لكلّ الأزمنة . وما دام للتفسير دور مهم في تشكيل الوعي الجمعي بالقرآن لدى المسلمين على امتداد القرون الماضية ، فإنّ هذا الوعي بدوره يصبح مَوضِع تساؤل. ورهان المؤلف في هذا البحث هو أن نتخذ من الاستعارة ، وهي أهم أركان المجاز –مدخلاً لتفكيك بنية النصّ القرآني . وقد لا يسعفنا في إنجاز هذه المهمة أن نعتبر أنّ في عدد من آيات القرآن تبايناً بين الملفوظ والمقصود لأنّ قضيّة المجاز في اعتقادنا أبعد من مجرّد التشبيه أو التجسيم ، وإنما هي قضية تتعلّق بقدرة الإنسان على تمثّل الوجود وبالأدوات التي يستخدمها لتحقيق ذلك. والقرآن وإن كان كلام الله ، فهو كلام بواسطة لغة بشريّة . والسؤال الذي يمكن أن يشغلنا هو : هل في لغة القرآن ما يختلف من جهة إدراك الوجود وتمثّله عن لغة البشر؟. فإذا انطلقنا من اعتبار المجاز محاولة لفهم مجال من خلال مجال آخر ، فإنّ هذه القاعدة تنطبق على ذهن محدود بما يتيحه المحيط الذي يشتغل داخله من ممكنات معرفيّة ، وهذه المحدوديّة سمة بشريّة ، فما وجاهتها في نصّ وَضَعَه واضِعٌ غير محدود؟.