في باكورته الشعريّة "محاولة خلود" الصادرة عن دار آمنة / الأردن، يقدم الشاعر السوري مالك فؤاد تجربة حميمية بين مكوناتٍ ثلاثة، هي الشعر، الحب والحرب، لا يفصل الشاعر الشاب بين الأنثى والشعر، بين وجودها الكلي ووجود الخلق فيها، لتقوم المجموعة على تقديم الشعر ككينونة، كعالم يحتوي الحبيبة والوطن معاً، في إثبات لقدرة الشعر على خلق إمكانية لكلّ شيء، فهو المتوقع والآتي على الدوام، حيث لا محاولة للخروج أو الهرب فالحتمية هي الحاضرة دوماً، وإن كان الشعر هو الحتمية الإنسانية في التواصل مع الوجود فهو بذلك يخلق أبعاداً مختلفة عند مالك فؤاد وإن بدت أنها تصب كلّها في الوجود الأنثوي، لكن الأمر يتعداه لخلق مساحة الشاعر الخاصة والتي يحمي نفسه بها، مكوناً من خلالها حيوات أخرى غير تلك المحدودة دوماً. يفتتح مجموعته بعبارة تختصر جدلية الكتابة في جعل المستحيل ممكنا بطريقة صادقة ، /أحببت الشعر لأنه طريق طويل يوصلك باكراً/ ومن هنا ندرك أن ما يريد قوله سيكون دوماً هو إمكانية الحدوث تلك التي قد لا تتبلور لولا الشعر.
الحب الذي يحوي الكون، يحوّل جسد الحبيبة للأرض والكون، للنجوم والأقمار، ليغدو الآخر مُعاشاً، وحقيقةً كونية حيث الشعر هو الطريق الوحيد لامتلاك هذه الحقيقة وتقديمها من خلاله، السؤال الدائم والملح الذي يطلقه الشاعر في عدّة نصوص يتمحور دوماً حول قدرة المحدود في الوصول للانهائي والذي تجسده الحبيبة، إذاً فالآخر هنا هو اللامدرك والمستحيل في مقابل الوجود البشري الهشّ للشاعر، والشعر يبدو أداة وحيدة لفهم هذه الجدلية أولاً ولتقديمها في إطار مفهوم ثانياً، وكلّ نصّ هو محاولة لالتقاط ذلك ولجعل اللامحدود مدركاً في صورة شعرية أو في نصوص تقوم على الارتكاس في مجموع الصور والتضادات المكانية التي تعكس مشاعر عدم الثبات بين المحدود وعكسه كما في قصيدة "أنت التائه الوحيد" لترتكز شعرية مالك فؤاد باطنياً على اللامحدود وكيفية معالجته بالكتابة وتتضمن هذه الشعرية الحبيبة والوطن وعناصر أخرى حيث يمكن أن يكون اللامدرك هو الآخر فعلاً وقد تكون الذات الشعرية أو حتى الحلم المستحيل.
/هذا الكون الذي تشكلينه ليلاً/ بعفوية خالق/ كيف بإمكاني الانتماء إليه؟/
من جهة أخرى يبدو المكان الأكثر ثباتاً بالنسبة للشاعر هو بحثه عن الوطن في مكونين كالحب والشعر في اعتراف بحتمية اللامكان وسط الحرب والتهجير والقتل، وإن لم يُذكر موضوع الحرب صراحة في بعض النصوص إلا أن مالك عمد لاستبدالها في بعض الأحيان بدلالات الموت الأشد تأثيراً من الناحية النفسية.
/وأنا/ أقف كذئب وحيد/ كلما رميت قميصك على وجهي/ يلطخني ببراءته/ ألمس بياض كتفك/ لنوهم العالم/ أننا بسلام/ ، وكأن الشاعر يقول: الحرب هنا والموت هنا لكن أريد الحديث عن الحب أولاً، في ذات المكان قد نتساءل عن سبب كلّ هذه التورية في مقابل حضور الحب والذي قد يعيبه البعض على التجارب، التي عايشت الحرب السورية، لكن نستطيع أن نقول إن استبدال الجمال بالقبح سمة أساسية في شعر فؤاد وإن استبداله بالمرأة وبسط سلطتها على الحرب والموت تشير إلى قدرة عالية على السيطرة على الألم والتوجه به نحو مكان آخر أكثر ألفة وحميمية، إذاً فمضاعفة الشعور وبثه في اتجاهات أخرى والدخول في تفاصيل دقيقة للحب ربما هي تجربة لمواجهة الهشاشة، المرأة ليست موضوعاً وحسب بل هي التجربة التي تصهر كلّ ما سبق داخلها، كأن مالك يحاول القول: أليست المرأة نقيض الحرب، أليست المعنية بالخلق والحياة والحب وهذا كله يواجه الحرب داخلنا أولاً وخارجنا تالياً، /والسيجارة التي بيدك/ تشعلها لسبب تافه/ لتنشغل بأي شيء ينطفئ سريعا حولك/ غير حياتك/.
من جهة أخرى يذهب مالك فؤاد في بعض النصوص نحو الحرب حتى النهاية، ليقدم الخيبة كموازٍ لها، شعور الحرب هو كألفةِ الحب وكممارسة الغربة كروتينٍ يومي، يمتلك الشاعر مفاتيح كثيرة لشعريتها يصبُّ أغلبها في الخيبة المدهشة حين تُقدم في قالب من الصور ذات الحساسية والحضور العالي كما في صورة /لأنني هكذا/ كبئر جفّ ماؤه باكراً/ وما زال الخوف عالقاً في ريقه/.
أمّا في حديثه عن الحرب فيقول:
/نص طويل عن الموت/ لا يعني أن ذلك جنازة/ تمزقت أصواتنا في الساحات/ في الشوارع الطويلة/ ولم نجد جمهوراً صادقاً/ يلتفت لذلك الغناء/
تتضمن تجربة مالك الأولى تقديم العبث في إطار شعريّ نقي، وكأنّ العبث ليس زماناً ولا مكاناً إنما هو تشديد على سمات خارقة في الأنثى حيث ينطلق منها كلّ شيء، الإطار الذي يسم العبث هو الصدق والتوجه بدقة لمكان الألم، لتصوير اللذة في فهم مبكر للاجدوى وفي بلورته من خلال شعرية الحب والخوف والحرب، العبث مألوف في النصوص، لا يذكرنا ببشاعة الواقع وبضعفنا أمامه، إنما يستولي عليه، مسيطراً على وجوده كرديف للحب، للوطن، للخسارة، وللانتظار
/الحب/ أن أطرق نافذتك/ كل ليلة/ وأنا على يقين/ أنك خارج البلاد/
- التغطية
- صفحة عنوان الكتاب
- صفحة حقوق التأليف والنشر
- الفهرس
- حياة أُخرى
- عُمالاً سبعة
- حتفِك الذي تُحب
- أبتسمُ لحياتي من الطرفِ الخاسر
- تحت مطرٍ خفيف
- مسافة الوصول إليكِ
- انتَ التائه الوحيد
- الكلابُ تفتح الباب بهدوء
- في جَسدي غابة
- امرأةٌ وحيدة
- أنا عالَمٌ بيدانِ واسعتان
- مسامير العُزلة
- النادلْ
- كبرتُ
- كتابٌ صغير عن الخراب
- نصفُ رَغيف
- أشياءٌ كثيرة أكتبُ عنها
- كما لو أنّني شامة
- حُزنكِ لا يُسمع ولا يُرى
- كذئبٍ وَحيد
- رحلةُ قُيودٍ دائمة
- لا بداية لنا، لا نهاية
- أرتدي وَجهها مُجدداً
- الحبّ
- حفلةُ فالس
- صلاهْ
- أدّعي الحكمة
- الظلّ
- مأساة العدم
- أضيعُ في شرودكِ
- نحتاجُ إلى صوتٍ خفيض
- وجودي الرديء
- حسنًا، أغلقوا الباب
- صوت السُعال
- نَص طويلٌ عن الموت
- أدّعي بأن لَوني أزرق
- امرأة ترتدي الأسود
- ترمينَ وجهكِ للغيم
- أرى العالمَ بأكمله