عمّان- دعا الخبير الاقتصادي والمستشار في شؤون الطاقة والنفط الأستاذ كمال القيسي، عضو منتدى الفكر العربي من العراق، الدول العربية إلى اعتماد سياسات وإجراءات حاسمة لفرض الأمن والاستقرار وحكم القانون، والعمل على تخفيض النفقات العسكرية لصالح استخدامات أكثر نفعاً لمواطنيها، وتطوير سبل التعاون النفطي والاقتصادي بين هذه الدول، من خلال تطبيق سياسة الاعتماد الاقتصادي المتبادَل. وقال في اللقاء الذي نظمه المنتدى لإشهار ومناقشة كتابه الصادر حديثاً "النفط والهيمنة- القوة والتحكم": إن هذا الخيار هو خيار استراتيجي مُتاح أمام دولنا العربية، وأن القضية الأساسية المطروحة أمام نخبنا العربية، أن تعمل بصدق على استنهاض العقل العام والخاص للأمة لتخطي خلافاتها الأيديولوجية والدينية والطائفية والعرقية وفصل الدين عن السياسة.
وأضاف: إن علينا أن نضع خلافاتنا جانباً، وأن نتعلم من أخطائنا ونتكيف لتطور الزمن باعتماد سياسات عقلانية تستند إلى الحقائق والوقائع والعلم والإبداع، بهدف إطلاق القوى الذاتية لمجتمعاتنا باتجاه البناء وتطوير الحياة، مشيراً إلى أن النفط يمكن أن يكون عوناً لنا في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية بكلف اقتصادية وإنسانية متدرجة معقولة، ويمكن في الوقت نفسه أن يكون سبباً في إغراقنا في بحور من الفوضى والكوارث. وأن بإمكان العرب النجاح في تشكيل محور جيوسياسي متسق ومتوازن وقادر على الفعل والتعاون مع تجمعات إقليمية ودولية حول قضايا الأمن والطاقة والمياه والتجارة والتنمية.
وأوضح القيسي أن عالم اليوم يشهد تصاعداً في تأثير التدخلات الجيوسياسية والعوامل الأخرى التابعة المعقدة على إنتاج وتسويق النفط عالمياً، بسبب من مركزية النفط في النشاط الاقتصادي المعاصر، وكونه الوقود الأساسي لماكنة العمليات العسكرية حول العالم، ولسياسات الدول الصناعية الكبرى العاملة على تأمين الطاقة والسيطرة على أسعار هذه الطاقة للحفاظ على هيمنتها الاقتصادية والمالية ونموها المستدام. وأن التدخلات والقيود الجيوسياسية المفروضة على دول منطقة الشرق الأوسط وسعي الدول الكبرى للحفاظ على مصالحها، قد يؤدي إلى إبقاء المنطقة العربية في حالة مستدامة من الضعف والتبعية لقرن آخر من الزمان، مشيراً إلى أن أهمية منطقة الشرق الأوسط نابعة من عظم احتياطاتها النفطية، وأهمية محيطها الجيوستراتيجي، نظراً لكونها حلقة أساسية مهمة في تشكيل الجسر الاستراتيجي الذي يُراد من وراء إقامته تعطيل أية محاولة لتكوين قوة أوروبية- آسيوية موحدة.
كما أوضح أن سياسات وقرارات الدول المنتجة والمستهلكة للنفط من أبرز العوامل التي تحدد اتجاهات الطاقة العالمية في المستقبل المنظور، فضلاً عن أن التطورات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشمالي افريقيا سيكون لها هي الأخرى تأثير كبير على المسارات المستقبلية للطاقة العالمية.
من جهته، قال وزير النفط العراقي الأسبق وعضو المنتدى الأستاذ عصام الجلبي الذي أدار النقاش حول الكتاب وعقب عليه: إن النفط والغاز سيبقيان يشكلان أكثر من 50% من سلة الطاقة، وما دامت بدائل الطاقة بعيدة المنال اقتصادياً، فإن الوطن العربي بما يملكه من احتياطات نفط تزيد على 50% من احتياطي العالم و30% من احتياطي الغاز، سيظل يعاني المزيد من التشرذم والانقسام وهيمنة الأجنبي.
وعرض الجلبي للتطور التاريخي المتعلق بجوانب الهيمنة الاستعمارية والعلاقات النفطية منذ أوائل القرن العشرين، وما يجري حالياً من حروب وصراعات لإعادة رسم الخرائط السياسية والجغرافية، وتثبيت وقائع جديدة بديلة عن اتفاقات سايكس- بيكو، وسان ريمو، وغيرها في منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن النفط لعب دوراً أساسياً في رسم خريطة الشرق الأوسط قبل وخلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وتحديداً فيما يتعلق ببلاد ما بين النهرين (العراق). وفي هذا السياق لم يكن النفط بعيداً عن خطط وأهداف الحصار على العراق عام 1990 وحتى شن الحرب عليه في آذار 2003، بادعاء علاقته مع الإرهاب وامتلاك أسلحة دمار شامل، وبعد أن ثبت بشكل قاطع عدم صحة ذلك لم يبق من أسباب الغزو إلا الاعتبارات السياسية من احتلال وتقسيم تحت مسميات مختلفة، والسيطرة على النفط وسحبه من سيطرة القطاع العام وإفساح المجال لعودة الشركات الأجنبية، وذلك كأهداف غير معلنة بدأت تتكشف سنة بعد أخرى.
وقدم الجلبي شواهد متعددة على طريقة تنفيذ تلك الأهداف التي يساعد على تنفيذها اضطراب الأوضاع الأمنية والإدارية والاقتصادية، والخلل الذي وقع منذ الأيام الأولى للاحتلال حيث اعتمد أسلوب المحاصصة الطائفية، مشيراً إلى أن النفط والتنافس على إدارة شؤونه بسبب ارتفاع حجم إيراداته نتيجة ارتفاع أسعار النفط العالمية، وليس بفضل زيادة الإنتاج ومشتقاته، كان عاملاً أساسياً من عوامل الصراع السياسي في العراق وتهديد وحدة البلاد. كما أن الصحافة الغربية كشفت عن أن عقوداً أبرمت في أعقاب غزو العراق لمدة عشرين عاماً، وتعد الأكبر من نوعها في تاريخ صناعة النفط، وتغطي نصف احتياطيات العراق النفطية (60 مليار برميل)، اشترتها بعض الشركات الغربية والآسيوية، مما أصبح معه واقع الحال في إنتاج النفط العراقي وصناعته يؤكد فعلياً أن 98% من هذا الإنتاج بيد شركات نفط أجنبية، في الوقت الذي اضمحل فيه الدور الوطني في هذا المجال.
ووصف وزير النفط العراقي الأسبق كتاب "النفط والهيمنة- القوة والتحكم"، الذي ضم مقالات وتحليلات في شؤون الطاقة عالمياً والنفط العراقي بشكل خاص، أنه يعالج مواضيع متعددة من زوايا سياسية واقتصادية، ويكشف حقيقة الرغبة الدولية والإقليمية انتقالاً إلى الصراع الداخلي من أجل الهيمنة والسيطرة على ثروات هذا البلد.